Saturday, April 17, 2010

صاحب رواية الأرملة الحامل يعترف :
 

أعيش في جلباب أبي

حنان شافعي

مارتن أميس هو أحد أبرز الوجوه الإبداعية الأدبية في المشهد الثقافي البريطاني خلال السنوات الأخيرة حيث يتصدر قائمة كتاب تيار الأدب الحديث ربما منذ صدور روايتيه "المال" عام 1986 ثم "حقول لندن" عام 1989 وقد توالت أعماله التي رسخت مكانته وصولا إلي أحدث رواياته "الأرملة الحامل" التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية البريطانية ، ومؤخرا يعمل أميس أستاذا للكتابة الإبداعية بمركز الكتابة الجديدة التابع لجامعة مانشستر كما وصفه الناقد المعروف تيري إيجلتون بأنه "رائد أدب المدينة في الخمسين سنة الماضية ".
ينتمي أدب أميس –كما يراه هو – إلي تيار العبثية الذي ولدته ظروف ما بعد الحداثة من حيث سيطرة الرأسمالية علي المجتمع الغربي و تحول القيم إلي مجرد أفكار جوفاء وهياكل بلاستيكية وقد تأثر في ذلك بكل من فلاديمير نابوكوف وجيمس جويس فضلا عن أبيه أميس الأكبر الذي تربي علي أدبه جيلا كاملا من بينهم ويل سيلف وزادي سميث .
ولد مارتن أميس جنوب ويلز وهو  الابن الأوسط للأديب والناقد الإنجليزي البارز "سير كينجسلي أميس" الذي عاش في الفترة من 1922 حتى 1995 وكان روائيا وشاعرا وناقدا وأيضا معلما وربما لا نبالغ إذا قلنا أن مارتن قد ورث عنه كثيرا من هذه المواهب والفتوحات الأدبية ، أما والدته فهي هيلاري باردويل ابنه أحد عمالقة صناعة الأحذية ببريطانيا وقد انفصل الأبوان وهو في الثانية عشرة من عمره فالتحق بمدارس مختلفة في صغره إلي أن بدأت علاقته بالولايات المتحدة حينما انتقل والده للتدريس في نيوجرسي وحتى هذه المرحلة العمرية لم يكن يقرأ غير الكتب الخفيفة إلي أن شجعته زوجة والده الروائية إليزابيث هوارد علي قراءة كتب أدبية جادة وعرفته للمرة الأولي بروايات جين أوستن التي قال عنها بعد ذلك أنها أول من شكل وعيه ، ثم انتقل مرة أخري إلي المملكة المتحدة للدراسة بجامعة أكسفورد وحصل علي تقدير وإعجاب أساتذته .
بعد التخرج اتجه مارتن أميس إلي العمل كمحرر صحفي بالملحق الأدبي الذي تصدره التايمز ومنها أصبح محررا أدبيا بصحيفة "نيوستاتسمان" وهو في السابعة والعشرين من عمره  ثم انطلق للكتابة في الأوبزرفر والجارديان  وغيرهما كما أصبح ضيفا أساسيا علي  برامج الراديو والتليفزيون لتميزه عن الآخرين ومواقفه المثيرة للجدل . أما أول تألق أدبي أو روائي شهده تاريخ مارتن أميس فكان مع صدور روايته "أوراق راشيل" وذلك  عام 1973 ثم تم اقتباسها وتحويلها إلي فيلم سينمائي عام 1989 ثم توالت إصداراته ما بين روايات وقصص قصيرة وقد لفت أميس الأصغر الأنظار إليه بقوة لكنه لم ينكر مطلقا تاريخ والده أو حجم انعكاس ذلك التاريخ علي موهبته ومشواره الأدبي ،حيث نجد ذلك معلنا بصراحة في  أحد حواراته التي تطرقت بشكل مفصل لحياة والده سير كينجسلي أميس ، أكد مارتن "أنه يقدر مشوار والده وأنه الوريث الوحيد للأدب عن هذا الوالد بل إنه الوحيد في تاريخ الأدب الإنجليزي الذي لم يجد تركة سوي طريق الأدب الذي مهده والده والتزم هو بالسير عليه ".
الأرملة الحامل
صدرت هذه الرواية مطلع الشهر الماضي و تتركز في محتواها علي الثورة النسوية أو تيار المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة الذي شهد علي انطلاقها وتبعاتها أجيال متعاقبة منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن حيث  يري أميس أنها "حركة غير ناضجة و مربكة لأوضاع المرأة" وهو بذلك يتبني وجهة نظر الكاتب الروسي أليكسندر هيرتزن الذي وصف تلك الثورة "بليلة طويلة من الفوضي والعزلة " بل إن أميس قد استعار منه عنوان الرواية "الأرملة الحامل" الذي ورد كعبارة في روايته "من الضفة الأخرى" من هنا تأتي خلفية هذا العمل الأدبي المتشعبة حيث التداخل ما بين تجربة مارتن أميس الواقعية مع أخته سالي وبين تأثره بوجهة نظر هيرتزن و كتاباته في هذا الشأن كما سبق وذكرنا .
كان أميس قد أكد في لقاء صحفي  أن روايته الجديدة "تعد بمثابة سيرة ذاتية غير مباشرة وأن فكرتها تحمل نكهة محافظة" وفي لقاء آخر حدث عام 2006 قال  أن هناك فروق بين رواياته السابقة ورواية الأرملة الحامل ، كما أضاف أنه حاول فيها التغيير قليلا في تقنية السيرة الذاتية المتعارف عليها مما جعلها مهمة صعبة  استغرقت كثيرا من الوقت والجهد حيث "شعرت وكأن كتلة من القش التصقت بأطرافي ولم أستطع الفكاك منها إلا بالانتهاء من كتابة روايتين إحداهما الأرملة الحامل والأخرى ستكون رواية سيرة ذاتية خالصة لم أنته منها بعد ".
بطلة الرواية "الحقيقية" هي سالي أميس شقيقة المؤلف وملهمته الأولي لكتابة هذا العمل المستوحي من حياتها الشخصية ومعاناتها التي بدأت في سن صغيرة واستمرت وحتى وفاتها. سالي هي الأخت الصغرى لمارتن والتي  ولدت في السابع عشر من يناير عام 1954 وتوفيت في الثامن من نوفمبر 2000 وقد  أنفقت أيامها  في حالة من التوتر المستمر صاحبها إدمان مفرط للكحول وانسحاب من كل مناحي الحياة .يري مارتن أميس في أخته ضحية "للثورة الجنسية" التي شهدتها فترة الستينات نظرا لعدم قدرتها علي ممارسة الحياة بحرية طبقا لمناخ الانفتاح الاجتماعي  الذي طالبت به الثورة وذلك لحساسية مشاعرها و هشاشة شخصيتها التي لم تتقن التعامل مع المعطيات الجديدة التي أحاطت بالمرأة ووضعها في المجتمع . تزوجت سالي أميس في سن مبكرة ولم يكن زواجا سعيدا كما أنجبت طفلة وهي في الرابعة والعشرين من عمرها ولم تستطع التعامل معها أيضا أو تحمل مسؤوليتها وتم وضعها في دار للأيتام والتبني وهي تبلغ فقط 3 شهور من عمرها . من ناحية أخري كانت والدة مارتن تري ابنتها ضحية لنفسها وليس لعوامل المجتمع و متغيراته .
وفي حوار  هام  حول  أخته سالي قال أميس  "في إحدى الليالي وقعت سالي في مشكلة ما وتدخلت لإنقاذها ثم اصطحبتها معي إلي المنزل وقد حاولت جاهدة  تقديم  شكرها لي لكنها ربما لم تستطع التعبير عن نفسها ..فقط قالت "اكتب عني يا مارتن ..قل ما بدا لك ..لن يزعجني ذلك في شئ" وبالفعل لم تغب سالي أميس عن مخيلة أخيها مطلقا حيث أهدي لها أكثر من مؤلف ولم يتردد  في الحديث عنها خاصة مع ظهور الرواية الأكثر خوضا في حياتها.. يقول:"هذا الكتاب مهدي إلي أختي سالي التي أسدت لي معروفين منذ صغري ، أولهما إيقاظ موهبتي بكل قوة والثاني هو البرهنة علي حيوية ذاكرتي و تشكل وعيي وذلك حين كتبت هذه الرواية معتمدا علي التاريخ المشترك بيننا .
بدأ أميس كتابة هذه الرواية بعد صدور روايته "كلب أصفر" عام 2003 والتي لاقت انتقادات لاذعة وفي الوقت نفسه حققت نجاحا جماهيريا واسع النطاق.  وتظهر سالي من خلال شخصية "فيوليت" المرأة المدمرة والمشوشة وهي الأخت الصغرى  للبطل "كيث نيرينج" والتي تعيش حياتها ما بين إدمان الخمر وإقامة علاقات ميئوس منها . وقد أجاب أميس علي سؤال لمارك لاوسن في حوار لراديو بي بي سي حول الكتابة في قضايا أو أمور أسرية "أنه لكي تكتب فنا روائيا عليك المرور بعدة مراحل أهمها إعادة تأمل التجارب السابقة بكل ما تحمل من آلام ومعاناة حتي لو أنك ستعيشها مرة أخري بينك وبين نفسك ورغم كل ما سوف يسببه ذلك لك في عذابات ، فإنك في النهاية تكتشف-ربما بلا إرادة- كيفية تعبيرك عنها والبوح بها عندما تجدها أمامك في كتاب!"    
يمكننا إذن التعامل مع هذه الرواية بشكل خاص نظرا لعدة عوامل في مقدمتها موقعها بين أعمال روائي بريطاني معروف مثل مارتن أميس وقد وصل الآن إلي مرحلة من النضوج والانقلاب علي تاريخ الذات والعالم وهو ما يتجلي بقوة في تجربة الأرملة الحامل التي يفضح فيها  جزء كبير من  تاريخ عائلته وأيضا يعلن موقفه من مرحلة هامة في التاريخ الحديث ومشوار تطور المجتمع الغربي وهو ما لاقي ردود أفعال عنيفة من أنصار التيار النسوي الذين هاجموا الرواية والنماذج التي قدمها أميس في شخصياتها وقد أقر هو ذلك علي صفحات الجارديان معلنا عن توقعه لذلك الهجوم .  و يعد هذا الروائي  من الوجوه الإبداعية الفاعلة  علي الساحة الإنسانية والثقافية بشكل عام يتضح ذلك عبر تواجده الإعلامي  ومواقفه المعلنة من القضايا العالمية المختلفة مثل معارضة تصنيع و امتلاك الدول  لأسلحة دمار شامل  وما يتصل بها من وحشية وتجني علي البشرية وقد عبر عن ذلك في مجموعة قصصية بعنوان "أشباح أينشتين"  صدرت عام 1987 عن دار نشر "فينتاج" واستهلها بمقال مفصل حول وجهة نظره في هذه القضية الخطيرة وتوقعاته لما سيترتب عليها في المستقبل .أيضا أعلن أميس في أكثر من مناسبة استنكاره للممارسات الإرهابية الدولية واستغلال الدين كغطاء لذلك . 

No comments: