Saturday, June 5, 2010


الأنامل الذهبية تنجب تسع عائلات للحرف

حنان شافعي

تحت عنوان "الأنامل الذهبية " صدر مؤخرا عن دار نهضة مصر مجلدا كبيرا يقع في 131 صفحة من الورق الفاخر للفنان التشكيلي والناقد المصري عز الدين نجيب صاحب موسوعة الفنون التشكيلية في مصر التي صدرت عن الدار نفسها خلال العام المنصرم. يقدم الكتاب في لمحات سريعة رؤية شاملة للحرف الفنية المصرية بمختلف أنواعها وتصنيف خاماتها وذلك عبر تقسيم حميم استعرضه المؤلف في تفصيل مبسط ومدعم في الوقت نفسه بالصور والنماذج الدالة علي فنون كل عائلة من العائلات الحرفية الفنية التي بلغت تسع عائلات ذات تقسيمات داخلية ..سنراها فيما يلي :

1-عائلة الحرف النسجية
للنسيج علاقة أصيلة بالمصري القديم فهو الذي عني كثيرا بملبسه وأناقته التي لعب نسيج الكتان فيها دورا كبيرا ثم وصولا إلي أرقي أصناف الحرير الذي بهر العالم والأدلة علي ذلك لا حصر لها سواء من خلال بقايا الأقمشة التي تملأ المتاحف العالمية وقد عثر عليها في المقابر القديمة والمناطق الأثرية ، أو عبر المناظر المجسمة التي تعود إلي أسر فرعونية مختلفة وهي تقدم نسوة يشتغلن في صناعة الغزل والنسيج ، كما عثر علي بذور الكتان التي كانت تصنع الأقمشة من خيوطه واسمه بالهيروغليفية "تيسوت" وتعني الملكي ، أيضا عرف المصري القديم  الأصباغ وكيفية استخراجها من الزهور والنباتات المختلفة . وقد استمر التفوق المصري في فنون النسيج في العصور التالية للحقب الفرعونية مثل العصر البطلمي والروماني والقبطي والإسلامي وظلت هذه الصناعة تذدهر تحت إشراف الدولة ووصايتها مما أدي إلي انتشارها وتنوع المنتج المحلي منها حتي غدا ينافس بقوة في السوق العالمية سواء في المنسوجات الكتانية والصوفية أو الحريرية وأصبح هناك الكثير من المعامل في مدن مثل أخميم وأنتينوي فضلا عن المركز الرئيسي بالإسكندرية . وتضم عائلة الحرف النسجية فروعا مختلفة تتوزع بين "نسيج السجاد والكليم" و "نسيج الحرير" و "الحصير المرسم" الذي لعب دورا فنيا راقيا إضافة إلي استخدامه الأولي في المنازل وغيرها .

2- عائلة الحرف الخشبية
أبدعت أنامل الحرفي المصري علي مر العصور آيات من المشغولات الخشبية الدقيقة التي ما تزال حية إلي اليوم في المساجد والأسبلة والوكالات والبيوت والسرايات وقد استطاعت أن تتواصل داخل النسيج الاجتماعي للمصريين عبر قطع الأثاث والنوافذ والأبواب والشرفات والأسقف بل حتي أدوات الحياة اليومية . وقد جاء ذلك نتيجة تداخل عدة فنون تتعلق بالخشب والنجارة مثل "فن التعشيق بالحشوات الخشبية" و "فن الخرط الخشبي".ولعل أهم ما أبدعه الفنان المصري باستخدام الخامة الخشبية هو آلة العود الذي يأتي في مقدمة الآلات الموسيقية العربية بلا منازع وهو يعود بالمناسبة إلي العصور الفرعونية ويتم صناعته عبر مراحل متتالية و شديدة الدقة في ذات الوقت. هناك أيضا فن تطعيم الأخشاب بالأصداف والعظام أو بالعاج فضلا عن وجود فنون مصرية أخري تتعلق بالتشكيلات الخشبية من الجذوع والأغصان . 

3- عائلة الحرف المعدنية
لا تقل عائلة الحرف المعدنية ثراءا عن العائلات السابقة وهي أيضا فنون شديدة الصلة بالشخصية المصرية تراثها وثقافتها .نجد مثلا أشكال المصاغ الشعبي المتمثل في حلي النساء والرجال والذي يرمز بقوة إلي جوهر العقيدة المصرية من ناحية ومن ناحية أخري هو زينة تضيف جمالا خاصا ثم هو كذلك وسيلة للاحتفاظ بالمال المتمثل في قيمة المعدن في مواجهة الزمن وتقلباته. وضمن عائلة الحرف المعدنية توجد المشغولات النحاسية التي كانت تمثل في عصر الفاطميين عماد الصناعة ومركزها النشط وبالطبع ليس أبلغ مثالا علي روعة وصمود المشغولات النحاسية المصرية من "فانوس رمضان" ذلك الطقس الاجتماعي الذي لا تكتمل الفرحة بقدوم شهر رمضان من دونه رغم كل مغريات العصر الحديث وتطور صناعة الترفيه .
يقدم الكتاب أيضا لمحة عن "فن التكفيت" وهو حرفية تطعيم أسطح النحاس بالذهب والفضة ويعد من الفنون الراقية المتوارثة منذ قرون ممتدة وحتي اليوم والمدهش أنه يعود أيضا إلي الفن الفرعوني القديم واستطاع الخلود عبر العصور التالية حتي ازدهاره في العقود الإسلامية مثله مثل فن المخرمات النحاسية .

4- عائلة الحرف الحجرية
مصر هي أول بلد تقوم حضارته علي تشكيل الأحجار وبالتالي تتلخص معجزتها الحضارية في النحت الذي يحتار العلماء في فك رموزه وشفراته حتي الآن .لا تخلو منطقة أثرية مصرية أيا كان عصرها من زخارف نحت علي الحجر وتشكيلات معمارية تتميز بعبقرية خاصة وتفرد منقطع النظير. هناك أيضا زخارف الخط العربي في العمارة والزخارف الرخامية التي أطلق عليها مؤلف الكتاب تعبيرا ناعما هو "دندنة الرخام" التي تألقت بقوة في العصور الإسلامية فكانت تزين المنازل والمساجد وقصور الحكام وقد استمر ذلك في العصر العثماني علي المستويين الشعبي والسلطوي .

5- عائلة الحرف الطرزية

يأتي علي رأس هذه العائلة بالطبع زي الانسان الذي يعد حماية وستر له من ناحية ومن ناحية أخري مصدرا للتزين والتجمل بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها المرء بدليل ما عثر عليه في المناطق الأثرية الفرعونية من أشكال مختلفة للطرز والملابس التي تلائم مختلف الشخصيات بدءا من الملك وحتي الفلاح . وتختلف أشكال الطرز الخاصة بالزي الرجالي أو النسائي في التراث المصري سواء بفعل العصر الذي ظهرت فيه أو بفضل العامل الجغرافي والعادات والتقاليد الخاصة بكل عصر. بعيدا عن الملابس هناك فن التطريز المجسم "الصيرمة" الذي ارتبط منذ نشأته بزخرفة الخيام التي عرفت قبل ظهور الاسلام في مناطق مختلفة من العالم خاصة بلاد شرق آسية ، ومع حركة التجارة وتبادل الثقافات انتقل هذا الفن إلي مصر والعراق أما المصري فقد استخدم في ذلك قماش الحرير والكتان في هذا الفن مع شيوع الزخارف الاسلامية .

6-عائلة الحرف الفخارية
ربما تكون أثري العائلات الحرفية وأكثرها قربا للإنسان الذي يصنع الفخار من الصلصال الذي هو مادة تكوينه الأولي وهي كذلك أقدم حرفة مارسها الانسان بعد الصيد لأنها كانت شرط بقاءه علي الأرض حيث صنع منها وسائط حياته اليومية بدءا من أواني الطعام وحتي الآلهة التي عبدها يوما ما . ولم يقتصر انتاج الفخار علي المنقولات الصغيرة والمتوسطة التي تستخدم يوميا بل امتد إلي المنشآت المعمارية كذلك كما تتميز كل منطقة في مصر بصناعة فخارية ذات طابع خاص وذلك تبعا لاختلاف الطينة المستخدمة سواء حمراء أو سوداء أو طفلة جيرية وغيرها .

7-عائلة الحرف الزجاجية
لعلها الأرق ضمن عائلات الحرف علي الإطلاق وليس غريبا أن يكون المصري القديم هو أول من شكل الزجاج بالنار في عهد الأسرة الثامنة عشرة وظلت صناعة الزجاج وزخارفه مستمره علي مختلف العصور حتي أنه كان لمدينة الاسكندرية شهرة عالمية في هذا المجال خلال العصر اليوناني . أما في القاهرة فكانت مدينة الفسطاط مركز هذه الصناعة حتي انها انتزعت الريادة من المدينة الأولي ، وكالعادة مع العصور الاسلامية ظلت الصناعة كما هي لكنها اصطبغت بتراث العقيدة وملامحها..يظهر ذلك بقوة في نوافذ الزجاج المعشق بالجص أو "مصافي النور" كما أطلق عليها وهو فن غلبت عليه اللمسة الإيمانية أكثر من أي شئ آخر .

8-عائلة الحرف النخيلية
حيث صناعة الأثاث من جريد النخيل الذي ارتبط بخصوبة التربة المصرية ووديانها العامرة بالخير.وتنتشر هذه الصناعة في المحافظات التي يكثر فيها النخيل حيث تتم صناعة المناضد والكراسي والأقفاص وأيضا السلال "رفيقة الانسان من الحياة إلي الموت" وهي ليست مجرد منتج عادي بل ترتبط مثلها مثل باقي الفنون الحرفية بالبيئة ومكونها الثقافي والعقائدي وكذلك العادات والتقاليد .

9-عائلة الحرف الجلدية
الفئة الأخيرة من عائلات الفنون الحرفية حيث صناعة الجلود التي بدأت ربما مع بداية حياة الانسان علي الأرض وقبل معرفة النسيج بالخيوط فهو الذي ستر جسده من البرد والصقيع.تدريجيا لم تنقرض صناعة الجلود بل أصبحت وسيطا للتشكيلات الجمالية سواء في التكوينات الزخرفية أو المنتجات المستخدمة في الحياة ولا تخلو من لمسات جمالية أيضا .

No comments: