Tuesday, January 4, 2011

جديد المخرجة الإماراتية نايلة الخاجه الفائز بجائزة المهر الإماراتي لمهرجان دبي  

"ملل" بالهمس تقول الكاميرا كل شئ !

حنان شافعي

حينما تكتب المرأة عن نفسها تنقل بالكلمات ما يقلق روحها ويؤرق وجودها إذ لا تبخل الأوراق عن الاتساع والتمدد، وعندما تتخذ من الكاميرا وسيلة للبوح يصبح الأفق أكثر رحابة و في الوقت نفسه أكثر مخاطرة إلا أن الأذكياء فقط هن من يستطعن البوح بكل ما تريد امرأة أن تقوله "بالهمس" أو دون حتى أن نسمع لهن صوتا، مستغلين كل تفاصيل العملية السينمائية من كادرات وألون وملابس وشخصيات وحوار لتوصيل رسالة تعرية هامسة لأحد أهم زويا حياة المرأة وهو علاقتها بشريك حياتها، وفي حال أن تكون امرأة عربية فهي الزاوية الأكثر أهمية على الإطلاق.

المخرجة الإماراتية الشابة نايلة الخاجه  ينطبق عليها كل ما سبق بامتياز، فهي كاتبة ومخرجة وممثلة فيلمها الروائي القصير الجديد "ملل"، وفيه تهمس بصوت نسائي "ضعيف" عن مأساة وجودية أزلية تعاني منها كثير من النساء والإماراتيات منهن على وجه الخصوص اللاتي يتزوجن زواجا تقليديا . تتلخص هذه المشكلة في التجاهل والاستخفاف و البرود العاطفي و بالتالي "الملل" بين الزوجين والذي لم يكن رحيما بما يكفي ليمنحهما حتى فرصة التمتع بشهر العسل ربما لأن الحقيقة أو الواقع ،مع الأسف، يتجلى منذ اللحظات الأولى في عمر العلاقة .

 قصة وسيناريو الفيلم كتبته نايلة الخاجة، وبحسب تصريحاتها، في لحظات لا تقل مللا عما روته في عملها الجديد، إذ كانت تقضي وقتا في إحدى إمارات الدولة وشعرت بملل شديد ولم تدر ماذا تفعل فقررت كتابة فيلم ينم عن حالة قريبة مما كانت تعيشها، ولأن الخاجة شابة ذكية وفنانة فهي تدرك جيدا أهم المشكلات التي تعاني منها شابات كثيرا في مثل عمرها داخل المجتمع الإماراتي الذي يؤكد مواطنوه بمختلف أعمارهم أنه شهد خلال السنوات الأخيرة تطورا ضخما في كل مستويات الحياة وبالطبع كان لذلك أثاره الإيجابية والسلبية  كذلك، ولعل أخطر هذه الآثار هو انشغال الأزواج والآباء عن زوجاتهم وأبناءهم وبالتالي دفعهم إلى الشعور بالملل والوحدة وربما الاتجاه إلى تكوين علاقات جديدة موازية تعد بمثابة فخ اجتماعي كادت تقع فيه بطلة الفيلم مع شاب هندي لكنها استفاقت في اللحظة المناسبة.

مهر إماراتي

هو بالفعل كذلك ويستحق الجائزة التي انتزعها فيلم "ملل" من بين 14 فيلما إماراتيا تم عرضهم خلال مهرجان دبي السينمائي الدولي لهذا العام وهي جائزة مستحدثة على المهرجان تستهدف التجارب الإماراتية الشابة حيث لفت فيلم نايلة الخاجة أنظار الجميع ونال رضا الجمهور خلال العرض والتصويت الفوري، وأيضا رضا لجنة التحكيم التي منحتها المركز الأول رغم وجود أعمال أخرى كثيرة وقوية لمخرجين إماراتيين. ويستحق "ملل" لقب المهر لأنه صغير من حيث الإطار الزمني والحدوتة،15 دقيقة فقط، وفي الوقت نفسه تتوفر لديه مواصفات المهر الجامح البرئ و المنطلق نحو الحرية بحثا عن حياة أبسط وأكثر تلقائية مما يمكن أن تفرضها عليه أية قيود تماما كبطلة الفيلم الشابة الرقيقة "العروس" التي انشغل عنها زوجها بتفاصيل العمل وترتيبات الصفقات، حتى في شهر العسل، لتذهب وحيدة في غابات مدينة كيرالا الهندية بحثا عن هواء غير تقليدي كزواجها ومنظر ممتع تلعب فيه الفيلة ، التي توسلت لزوجها أن يذهب معها لتشاهدها قبل الرحيل، لكسر الملل المتسرب إلى روحها بين لحظة وأخرى.

وتميل الإماراتية نايلة الخاجة باتجاه مدرسة المخرج المؤلف ليس رغبة في السيطرة أو الاستعراض وإنما لكونها شخصية متحمسة ومفعمة بطاقة فنية قوية لا يمكن أن يخطئها من يشاهد أعمالها أو حتى يسمعها وهي تتحدث عن نفسها أو عن الآخرين، أيضا تتميز الخاجة، التي درست الإخراج السينمائي بجامعة "ريرسون" في كندا وتخرجت عام 2005، بإيمان عميق بأهمية الفن السينمائي وقدرته على تغيير الواقع وتحسين سلوكيات ووعي الناس بموضوعات معينة ،وكذلك تحسين صورة الشرق الأوسط في عيون الأوروبيين والتي بالطبع لاحظتها عن قرب خلال فترة دراستها واحتكاكها بالحياة في كندا. كما تتميز نايلة الخاجة بجرأة كبيرة وهي الميزة أو الصفة التي ينبغي أن تتوفر لدى من يطرح نفسه على الحياة كفنان صاحب رسالة أو وجه نظر إبداعية في العالم وطريقة ممارسة الحياة، عليه أن يحلم كما يحلو له ويطرح الأسئلة بوضوح وثقة ولا يكف مطلقا عن تحقيقها والعثور على إجابات مرضية أو حتى مشاكسة وهو ما تحاول صنعه المخرجة الإماراتية الشابة وتدعو الجميع إلى الاشتراك معها. 

بخطى سريعة

تمثل تجربة فيلم "ملل" العمل الرابع في المسيرة الفنية لنايلة الخاجه والتي بدأت فعليا عام 2005  وبالتالي نستطيع أن نجزم بأنها تعمل باجتهاد و إنتاج غزيرين لأن أفلامها السابقة كانت من تأليفها وإخراجها أيضا وهم "إكتشاف دبي" فيلم وثائقي قصير إنتاج عام 2005 وهو أول أعمال نايلة و "عربانا" عام 2006 ثم "مرة" عام 2009 ، كما أن لها شركة إنتاج واعدة تحت مسمى "D-Seven" وهي بذلك تصبح أول منتجة أفلام مستقلة داخل الإمارات حيث لا يقتصر عمل الشركة على أفلامها الخاصة ولكنها تفتح المجال أمام التعامل الحر، ومشروعات الشباب التي يمكن أن يتم التعاون فيها بين أكثر من جهة سواء في الإعلانات أو الأفلام الوثائقية، وقد صرحت الخاجه بأن هناك عدد من المشروعات التي تعمل عليها الشركة خلال العام الجديد منها فيلم روائي طويل سيكون الأول في مسيرتها الشخصية إلا أنها تحفظت على التفاصيل لحين إطلاق المشروع بصورة رسمية.

وبالإضافة إلى كتابة وإخراج أفلامها تشارك نايلة الخاجه أحيانا في تمثيل دور لأحد شخصيات العمل إذا احتاج الأمر وحدث ذلك في "ملل" الذي جسدت فيه دور البطلة، العروس الشابة التي تعاني الملل والوحدة خلال رحلة شهر العسل من سلوك زوجها الفاتر وعدم اهتمامه بها ولعلها كانت ممثلة جيدة أيضا رغم قلة المساحة السردية في الفيلم، حيث كانت جملا قليلة تلك التي نطقت بها البطلة لكنها معبرة جدا وهامسة بما تريد قوله، أما الأكثر تعبيرا فكانت نظرات عينيها وتعبيرات وجهها التي تنوعت ما بين الخجولة والمتوسلة والثائرة على استحياء. وعن كونها ممثلة علقت الخاجه خلال مناقشة الفيلم مع جمهور مهرجان دبي السينمائي قائلة أنها "ليست ممثلة، وأن أدائها للدور جاء لإنقاذ الموقف بعد اعتذار الممثلة التي كان من المفترض أن تقوم ببطولة الفيلم" كما أكدت المخرجة الشابة على مشروعها الفني قائلة "لن أكرر تجربة التمثيل مرة ثانية لأن الإخراج السينمائي فقط هو مشروعي الفني".

ونتيجة لهذا العمل المتواصل استطاعت نايلة الخاجه أن تحوز احترام وإعجاب الجمهور وكذلك الاختصاصيين الذين منحوها جائزة ولقب "أفضل مخرج إماراتي" من مهرجان دبي عام 2007 و لقب "أصغر سيدة أعمال" عام 2005 خلال حفل توزيع جوائز قمة سيدات الأعمال ، كما شاركت كعضو لجنة تحكيم خلال الدورة قبل الماضية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي بأبوظبي، وكذلك كان اختيار سيناريو فيلم "ملل" لإنتاجه من قبل مؤسسة صناعة المحتوى الإعلامي towfour54 بأبوظبي تقديرا لها كمخرجة موهوبة وأملا في دورها في تنمية صناعة الأفلام في الإمارات بحسب تصريحات "وين بورغ" المدير التشغيلي للمؤسسة. 

مسئولية
  ومن السمات المميزة للفنانين الواعدين والتي تتوفر أيضا في الإماراتية نايلة الخاجه الشعور القوي بالمسئولية الملقاة على عاتقها تجاه المجتمع الذي تسعى إلى تمثيله على المستوى الإقليمي والعالمي، وكذلك تجاه الصناعة السينمائية ذاتها باعتبارها من الأوائل في هذا الحقل الحديث والمستجد على المجتمع الإماراتي. تقول الخاجه "أتأمل أن نستفيد من تجربة فيلم ملل الإيجابية وأتطلع إلى التحدي المقبل والقائم على مساعدة الأجيال السينمائية المحلية لتعزيز دورها وأعمالها" هذه بالفعل هي المهمة التي من المنوط بالخاجه وجيلها تحمل مسئوليتها لأن الصناعة السينمائية في الإمارات تحتاج إلى تضافر جهود المتحمسين والجادين مثل الخاجه لكي يعملوا معا ومعهم الشباب القادم الذي يبحث له عن مكان في الحقل الفني.

و خلال تنفيذ مشروع فيلم "ملل" تولت الخاجه، وبالتعاون مع منتجها ،towfour54 ،تدريب اثنين من شباب السينما الإماراتية الذين سافرا معها إلى كيرالا وشاركا في التحضير للفيلم بمختلف مراحله بمساعدة وتشجيع الخاجه وفريقها المحترف الذي، بالمناسبة، يتألف من مجموعة صغيرة من الشباب أيضا هم الممثل الهندي هرموز ميهاتا و الإماراتي غسان الكثيري والمصور دانيال جرانت و المونتير سيباستيان فنكي والمؤلف الموسيقي فلاديمير بيرسان.