Friday, October 7, 2011

خلال معرض ضخم للتعريف بحضارات بلاد الرافدين

ورش أطفال وشعر ومقام عراقي في صحبة حمورابي

أبوظبي- حنان شافعي

في الداخل كان حمورابي منتصبا بكبرياء يتابع الجنود ومن حوله تتوزع سجلات زراعية وأختام ورموز للآلهة، وفي الخارج كان أحفاده ، الذين ربما يسمعوا اسمه للمرة الأولى، يتسابقون في تطويع قطع الصلصال ليصنعوا نسخا جديدة منه تؤكد على الصلة بينهم وبينه رغم طول السنين وبعد المسافات. هكذا كان المشهد خلال احتفالات الأسبوع الأخير من معرض " روائع بلاد الرافدين" الذي نظمته شركة التطوير والاستثمار السياحي، المطور الرئيس للمنطقة الثقافية في جزيرة السعديات بأبوظبي. المعرض
أقيم بالتعاون مع قسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني وكذلك المتحف الوطني بمدينة العين حيث ضمت قاعاته أكثر من 200 قطعة أثرية وفنية يعود تاريخها إلى خمسة آلاف عام في محاولة للوقوف على إبداعات الحضارات المتتابعة في بلاد الرافدين ، الآشورية والسومرية والبابلية، من جانب ومن جانب آخر تلمس الآثار الدالة على التواصل بين تلك الحضارات ومنطقة الخليج بصفة عامة ودولة الإمارات على وجه الخصوص.

تنوعت المعروضات بين قطع أثرية وتماثيل للملوك وقواد الجيوش والرموز الدينية ، وبين لوحات طينية كتب عليها باللغة المسمارية وتسجل أبعاد الحياة المختلفة من تقويم وحسابات زراعية ووصايا الملوك أو لوحات تعليمية تحمل ما توصلت إليه علوم حضارة الرافدين من فلك واقتصاد ورياضيات. كما تضم المعروضات ،التي احتوتها قاعة العرض الكبرى بالسعديات، قطعا فنية وأثرية تتعلق بالحلي المستخدم في زينة زوجات الملوك والأميرات وتفاصيل عن أسلوب حياتهن النسائية مثل طرق تصفيف الشعر و أدوات التجميل التي يظهر فيها تأثرهن الكبير بنساء الحضارة الفرعونية المصرية حيث يوجد نموذج لطريقة الملكة كليوباترا في تصفيف شعرها وتجميل عينيها.

ولأن شعار الحدث هو تقديم صورة شاملة عن حضارة بلاد الرافدين فقد تم تقسيم المعرض إلى ثلاث أقسام متتابعة كل واحد منهم يختص بالملامح العامة لإحدى الحضارات الكبرى لبلاد الرافدين وأهم الآثار التي تعبر عن إنجازاتها، فالقسم الأول على سبيل المثال يستعرض "الحضارة السومرية" التي نشأت جنوب العراق و اشتهر أهلها بالتفنن في صناعة مجوهرات الزينة من خرزات اللازورد والعقيق الأحمرالمجلوب من إيران وأفغانستان، كما قدم علماء سومر الكثير من الاختراعات على رأسها الكتابة المسمارية التي لازالت تستخدم حتى اليوم. فيما يقدم القسم الثاني من معرض روائع بلاد الرافدين صورة عامة عن أبرز ملامح "الحضارة الآشورية" والتي تضخمت وتوسعت جغرافيا واقتصاديا حتى قيل أنها كانت أكبر امبراطوريات الشرق الأوسط في العالم القديم.واستعرض قسم الحضارة الآشورية تماثيل الملوك والزعماء من خلال لوحات تعكس أحوالهم في المعارك الحربية و في رحلات الصيد التي كانت هواية لديهم وبالتالي هناك رسومات كثيرة لنماذج حيوانات الصيد وطرق الصيد فضلا عن الألواح التعليمية والطبية والأدبية وأهمها لوحة ملحمة جلجامش التي تعد من أهم نصوص التراث الإنساني.

ويتولى القسم الثالث والأخير من المعرض مهمة تسليط الضوء على بقايا "الحضارة البابلية" التي عرفت عاصمتها ، مدينة بابل، كمركز إشعاع ثقافي وديني في بلاد الرافدين رغم أن الدولة الآشورية كانت لا تزال تحتفظ بقوتها. وتميزت المعروضات الخاصة بالحضارة البابلية بصغر الحجم النسبي مقارنة بمعروضات الحضارات الأخرى كما جاء معظمها في صورة نقش بارز على ألواح وحجرية وفخارية عكست العديد من صور ملوك بابل وتاريخهم ومعاركهم فضلا عن شروح لخرائط المدينة البابلية بحدائقها وقصورها والحيوانات التي اشتهرت فيها. وبخلاف الألواح تبرز الأختام الاسطوانية المصنوعة من الأحجار الكريمة التي برع في صنعها البابليون واستخدمت في الأعمال التجارية والاقتصادية المزدهرة آنذاك والتي تعكس بصورة ما علاقتهم بالحضارات المجاورة لهم من حيث المعاملات التجارية واستيراد وتصدير المواد الخام. من جانب آخر ضم المعرض قاعة صغيرة احتوت على بعض الأواني الفخارية التي عثر عليها في جزيرة "أم النار" القريبة من إمارة أبوظبي وقال علماء الآثار أنها تعود إلى عصر شهد تبادل تجاري بين منطقة الخليج وبلاد الرافدين.

وحرصا من إدارة المعرض على خلق جسر للتواصل بين الماضي والحاضر تم تنظيم عدة فعاليات فنية وترفيهية على الهامش شهدت إقبالا كبيرا من أسر الوافدين العرب الذين ترجع أصولهم إلى بلاد الرافدين سواء العراقيين أو السوريين، كما شاركت فيها أيضا العديد من أسر الجاليات الأوروبية التي لوحظ إقبالها على المعرض والأنشطة الموازية بصورة كبيرة لاسيما الأنشطة الخاصة بالأطفال التي نظتتها شركة التطوير والاستثمار السياحي مثل الورش الإبداعية التي توزعت في أروقة المكان من خلال توفير المواد المستخدمة من صلصال وورق نحاس وأقلام ونماذج مجهزة لمساعدة الأطفال على محاكاة ألواح الكتابة المسمارية وكذلك خلق تماثيل ورموز من بلاد الرافدين كالتي شاهدوها داخل المعرض.

الأمر المفاجئ هو ازدحام تلك الورش، التي أشرف عليها فنانون متخصصون، بأولياء الأمور الذين جاءوا مع أبناءهم ولم يستطيعوا مقاومة الانخراط في الحدث الذي أخذهم إلى أجواء بلادهم أو ربما أعادهم إلى ذكريات أكد معظمهم أنه نسيها، الطفل ،محمد من العراق بالصف الخامس الابتدائي، يقول وهو يجتهد في كتابة اسمه باللغة المسمارية "لأول مرة أسمع عن هذه الكتابة، لكنها ممتعة جدا بالنسبة لي" فيما انهمكت حلا، من سوريا وتبلغ من العمر 15 عاما، في تطويع الصلصال لصنع أسد بابلي، تقول " سمعت عن هذه الورشة من إحدى صديقاتي فطلبت من والدي أن يصطحبني إلى هنا لكي أشارك وأعرف أشياءا جديدة عن حضارة بلادي".

وفيما استمرت الورش في استقطاب الأطفال والمراهقين من جنسيات متعددة، ذهب الكبار لحضور أمسية شعرية أحياها الشاعر السوري، عمر الفرا، الذي ألقى بعضا من قصائده الكلاسيكية باللغة العربية الفصحى واللهجة البدوية. أما الختام فكان مع المطربة العراقية "فريدة محمد على" وفرقة المقام العراقي حيث جاءوا من هولندا لتقديم هذا الحفل الذي امتلأت قاعته عن آخرها بالجمهور العربي وبصفة خاصة أبناء الجالية العراقية بالإمارات. جدير بالذكر أن فريدة محمد على هي أول امرأة تتخصص في تدريس المقام العراقي الكلاسيكي الذي عرف بصعوبته وباعتباره حكرا على الرجال، كما اختيرت اسطوانتها "مقامات ومواويل عراقية" ، التي أنتجت في هولندا، كواحدة من أفضل الاسطوانات في العالم وذلك في استفتاء مجلة "سونج لاينز" الإنجليزية المعنية بشئون الموسيقى والغناء في العالم.          

No comments: