Friday, March 26, 2010

في أول حوار بعد قرار إلغاء "نادي السينما"

درية شرف الدين: برامج التليفزيون يتم تسييرها بنظام "الخبطات" أو"حسب الموجة"


*هناك أشياء تستدعي التفكير والفرجة !
*تعودت أن تستوقفني الناس في الشارع ليسألوني عن نادي السينما .
*الفن وتحديدا السينما يمكنها إنقاذ الشباب من التطرف .
حوار:حنان شافعي

بين بهجة ظهورها علي الشاشة ودفء وداعها تأسرنا بصوتها الوقور و حديثها الثري و عقليتها المثقفة العميقة ..إنها الإعلامية القديرة دكتورة درية شرف الدين تلك السيدة التي غذت مشاعرنا وعقولنا بوجبتها السينمائية الطازجة مساء كل سبت حين تجتمع الأسرة المصرية  بصغيرها وكبيرها في انتظار الانضمام إلي "نادي السينما" الذي يملك عصا سحرية تحول شاشة القناة الأولي مع نزول تتر البداية إلي
ملتقي فني إنساني اجتماعي ثقافي ..في تركيبة لا يمكن تفكيكها إلا بوعد من مذيعته بلقاء في الأسبوع القادم ولا نصدق أنها ستذهب  إلا  بظهور تتر النهاية . الآن أصبح هذا المشروع الإعلامي الناضج والحالة الإنسانية المكتملة ذكري في دفاتر الماضي انطلاقا من خطط التطوير "العبقرية" التي   يتبناها مسئولو التليفزيون المصري والتي يبدو من فرط عبقريتها أننا عاجزون عن فهم شعار "التطوير" الذي ترفعه ، لذلك توجهنا بأسئلتنا الحائرة إلي الدكتورة درية التي تعودنا أن نفهمها مثلما نجحت هي في الوصول إلينا بقوة وثقة  ....

كيف كان استقبالك لقرار إلغاء برنامج "نادي السينما" في ظل خطة "التطوير"الأخيرة؟
في الحقيقة لم يكن هذا القرار مفاجأة بالنسبة لي لأنه تمت الإشارة إلي ذلك بعدة مقدمات.

ما هو شكل تلك المقدمات وكيف تستسلمين إليها ؟
(تصمت طويلا ثم تجيب بحزن) لا أريد أن أتحدث في ذلك كثيرا  لأن ما حدث قد حدث أما المقدمات فكانت عبر طرق عدة تتلخص في تعنت بيروقراطي أو وضع عراقيل ما أثناء تجهيز أو إعداد البرنامج و اختلاق مشكلات تافهة بهدف التعطيل ..وقد فكرت من الأساس في الاعتذار وترك البرنامج لكي ألوذ بنفسي بعيدا عن هذا المناخ لكني كنت أواجه برفض شديد من قبل النقاد والأصدقاء الحريصين علي البرنامج إضافة إلي الجمهور الذي يتواصل معي يوميا ..كل ذلك كان يثنيني عن قرار الابتعاد . وفيما يخص سؤالك عن الاستسلام أنا لم أستسلم لأن المسألة ليست حربا..أنا فقط أقف من بعيد وأتأمل الموقف لأن هناك أشياء تستدعي التفكير و "الفرجة" ويكفي ردود الأفعال الخارجية والذين يدافعون عن البرنامج.

هل سألت نفسك يوما عن سر نجاح "نادي السينما" ؟
(تبتسم) لن تصدقيني إذا قلت لكي أن هذا سؤال محير بالنسبة لي وبقدر ما تسعدني هذه الحقيقة بقدر ما يستعصى علي فهمها حتى الآن.  لقد كان يراودني هاجس كل بضعة سنوات من عمر البرنامج أنه يجب علينا التوقف ومعرفة هل لازال الجهور يحب البرنامج أم لا ؟ و كان الجواب يأتيني تلقائيا حينما يستوقفني الناس في الشارع ويسألونني عن الأفلام ويناقشوني في الموضوعات التي أتحدث عنها أو يطلبون مني فيلما بعينه.

ولكن كيف حافظ البرنامج علي نجاحه و مستواه الراقي طوال هذه السنوات بعكس برامج أخري كثيرة ؟
هذا سؤال يوجه إلي الجمهور الذي حرص علي متابعته عاما بعد عام. أما من ناحيتي فلا أعتقد أن الأمر مستحيلا..علينا فقط أن نحب ونخلص لما نقوم به وقد تعودت أن أضع نفسي مكان المشاهد وأتساءل:ماذا يريد أن يشاهد أو يعرف أو يفهم؟  و دائما ما أستعد جيدا للفيلم الذي سيعرض أقرأ عنه كثيرا وأجمع معلومات حوله من مصادر مختلفة لدرجة أنني كنت أستعين ب25 مرجع في الموضوع ذاته لكي أكون ملمة بزواياه المختلفة وبالتالي تتسع دائرة النقاش مع ضيف البرنامج ومن ثم الجمهور.أيضا توجهت لدراسة السينما بحثا عن مزيد من المعرفة المنهجية واحتراما لعقلية المشاهد الذي ينتظر من البرنامج  مناقشة الأعمال بعمق مثلما ينتظر عرض الفيلم.   

* هل تحدثينا بصراحة عن أهم الصعوبات التي واجهتك طوال عمر البرنامج وكيف تمكنت من التغلب عليها ؟
(تصمت) بصراحة التليفزيون المصري لم يكن له يوما رؤية واضحة أو منهج يسير وفقا له فكل الأشياء والمواد الإعلامية يتم تسيريها بسياسة "الخبطات" أو "حسب الموجة" إذا نجح برنامج أو فكرة نستمر ونزيد من هذه النوعية، إذا لم تنجح نتراجع.. ووسط كل ذلك كان علي أن أصنع برنامجا قويا يسير وفق منهج يعرفه المشاهد مثلما يعرفه القائمون عليه..وقد كافحت من وراء ستار لكي يتصدر البرنامج الشاشة خاصة مع طوفان البيروقراطية الذي يغرق فيه مبني التليفزيون سواء في المكتبة التي تفرض علينا الأفلام الأمريكية في حين أفضل دائما التنوع وتعريف المشاهد بفنون السينما لدول أخري ، أو الخضوع لدائرة الموظفين التي تهدر الوقت بدون داع  هذا بخلاف الميزانية الهزيلة المخصصة للبرنامج رغم أن فريق العمل هو الأقل عددا من حيث الأفراد علي مستوي برامج التليفزيون حتى الضيوف كانوا يتعففون عن السؤال عن  المبالغ التافهة المخصصة لهم . 

ولكن أليس غريبا إيمانك الشديد بالتليفزيون المصري رغم تلاشي وجوده لصالح الفضائيات ؟
بالطبع سأظل مؤمنة بالتليفزيون المصري وبقوة وفاعلية القنوات الأرضية التي تصل إلي الجميع والسبب في ذلك ببساطة أن الجمهور المصري لا يزال متمسكا بإعلامه الوطني ويتأثر بقوة بما يقدم علي شاشته وبالتالي بدلا من إلغاء برنامج مثل "نادي السينما" كان ينبغي عرضه علي الفضائية ..كنا نستطيع أن ننظف شوارع مصر كلها عن طريق التليفزيون مثلما تفعل دول أخري تطرح مسابقات أفضل واجهة منزل وأنظف شارع !..التليفزيون المصري  موجودا لكنه يحتاج فقط إلي تخطيط جيد وشعور بحجم المسؤولية الملقاة علي عاتقه لأن المنافسة أصبحت أصعب ونحن لانملك ورقة للعب سوي المواد الثقافية والفنية القيمة التي يمكن أن تستمر بفعل الحراك الثقافي الموجود في مصر دون غيرها من الدول وعدد المثقفين المصريين الذي يحيط بنا في مختلف المجالات، أما البرامج السياسية و برامج المنوعات وحتى برامج الأطفال فقد أخفقنا فيها بقوة وخرجنا من ساحة التنافس بعد سيطرة  الفضائيات التي تتحرك أسرع وبميزانيات أضخم .


إذن من واقع خبراتك ووجودك من قبل في موقع المسؤولية ، ما هو تقييمك لسياسات التليفزيون الأخيرة سواء تجاه المواد المقدمة للمشاهد أو تجاه العاملين فيه؟ 
للأسف التليفزيون المصري انزلق مؤخرا إلي  فخ الاستسهال والتقليد رغبة في ملاحقة الفضائيات فمثلا نجد برامج المسابقات التافهة التي تنشر وعيا سيئا ومفسدا بترسيخ مفاهيم الكسب السريع و الاتكالية وهذا لا يليق بتليفزيون حكومي من المفترض أن يتسم بالجدية و احترام العقول خاصة تجاه فئة الشباب التي تحتاج إلي التركيز عليها ولفت أنظارها إلي القيم الجمالية في الحياة والفن والثقافة في ظل مناخ ملوث بارتفاع نداءات التحريم وازدراء الفن لدرجة قتل ميكي ماوس ..!! وقد كنت أفكر في ذلك دائما أثناء عملي في "نادي السينما" حيث أشعر بأن هناك رسالة غير مباشرة  يجب توصيلها من خلال البرنامج والمناقشات التي تتم حول العمل كي يتعلم الشباب أن السينما ليست مجرد عرض يشاهده فقط بل لابد من التفكير فيه وتحليله قبل رفضه باعتباره حراما أو حلالا  ، وأعتقد أننا في أشد الحاجة إلي الوصول لعقول الشباب بطريقة ذكية وراقية  بدلا من الوعظ المباشر وبالتالي  يحتاج الإعلام المصري في هذا الصدد إلي رؤية شاملة وواعية بما يقدمه الآخرون من أفكار متزمتة و مضللة للشباب وكيفية مواجهة ذلك ببرامج محترمة تخاطب عقولهم وتعلمهم ملكة الجدل وتقدير دور الفن في الحياة وكذلك تفنيد  ما يقوله شيوخ التحريم وأجزم أنهم سيرفضون بأنفسهم تلك الأفكار والتوجهات بل سيدافعون عن السينما والمسرح والغناء  إذا تمت مخاطبتهم بوعي مغاير .  

وما هو رأيك في الإضرابات الأخيرة ؟
هي نوع من الإحساس بالظلم المتراكم لفترة طويلة والذي أعقبه انفجار متوقع، فكل من يعمل بهذا المبني يتعامل معه باعتباره بيته الثاني..يقضي فيه معظم يومه و يتحمل ما يتعرض له من ممارسات بيروقراطية وبالتالي يكون من الصعب السكوت علي الحقوق الضائعة خاصة في ظل الاستعانة بكوادر خارجية ، وأعتقد أن ما فعله الوزير هو الصواب من حيث احتواء الأزمة والاستماع إلي شكاوي الناس .

أخيرا..في حال ما إذا عرض عليك من قبل إحدى الفضائيات  تقديم برنامج "نادي       السينما" علي شاشتها فهل ستوافقين ؟
- (تجيب بعد شرود ) سأفكر ولما لا؟!.