Wednesday, August 4, 2010


لأن العنف وحده يصنع الأخبار

"صمود" كفاح الفلسطينيين الذي لا تعرفه الشاشات


"لن أحمل سلاحا ولا أملك سلاحا ولا أريد أن أملك سلاحا..سلاحي الذي أدافع به هو ألا أترك أرضي" تلك هي كلمات أبو صقر ذلك  العجوز البسيط الذي يعيش بقرية الحديدية بمنطقة أغوار الأردن الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي وهي أيضا مفتتح الفيلم الوثائقي القصير "صمود" الذي كتبه وأخرجه الناشط المصري الألماني فيليب رزق حول قصص الصمود والمقاومة السلمية  للفلسطينيين البسطاء الذين يعيشون بالقرى الواقعة تحت الاحتلال والتي أصبحت - مع التوسع في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي- تقع علي الحدود مع تلك المستوطنات و بعيدة تماما عن الكتل السكانية الفلسطينية سواء  في غزة أو الضفة الغربية .

يظهر فيليب في الفيلم كمحاور للشخصيات وفي الوقت نفسه يتولي مهمة التعليق علي ما يقال سواء بالشرح أو بإضافة معلومات توثيقية حول تاريخ المكان أو العائلة التي يتحدث معها إضافة إلي استعانته بمقاطع مصورة من قبل للحوادث التي يرد ذكرها علي لسان الأفراد والتي قال أنه قد حصل عليها من مصور فلسطيني يعمل لدي وكالة رامتان. ويصرح رزق في بداية الفيلم بالأسباب التي دفعته لإنجاز هذا العمل حيث تعود القصة إلي عام 2005  حين قرر الذهاب إلي الأراضي المحتلة لاستكشاف الوضع وفهم القضية عن قرب حيث تعاون مع إحدى المنظمات الدولية عن طريق تدريس اللغة الانجليزية والموسيقي للأطفال الفلسطينيين كما عمل في غزة - التي امتدت إقامته بها لعامين-  كمراسل لإحدى القنوات الأجنبية  وقد لاحظ طيلة فترة تواجده أن العنف وحده هو الذي يصنع الأخبار وأن وسائل الإعلام سواء العربية أو العالمية تهتم فقط بحوادث الانفجار والقتل والاشتباكات المسلحة حتى ترسخ في ذهن الجميع أن هذه فقط هي ديناميكيات المقاومة الفلسطينية  في حين أن قصص المقاومة والصمود الحقيقي هي للعائلات والأفراد الذين يعيشون علي الأطراف  في ظل ظروف حياة بالغة القسوة ويعانون شتي أشكال العنصرية والقهر دونما أسباب منطقية أو ذنب يذكر .

وقد بدأ فيليب رزق تصوير الفيلم في يونيو  2008 بعد أن عكف علي جمع قصص مختلفة لعائلات فلسطينية  تعيش بعدة قري تقع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي وتحديدا في المنطقة C بعد أن  سلمتها لهم السلطة الفلسطينية بناءا علي ما جاء في اتفاق أوسلو ورغبة في تحقيق السلام الذي لم يتحقق بالطبع بل ساءت فيما بعد أحوال هذه العائلات حيث دمر الجيش الإسرائيلي منازلهم  وأصبحوا  يعيشون في خيم أو منازل بسيطة خوفا من تهديد الاحتلال الذي لا يسمح لهم بالبناء أو التنقل أو حتي ذهاب الأطفال إلي المدارس وبالتالي يتعرضون وأطفالهم للموت بسبب عدم وجود مياه كافية للشرب أو الزراعة التي تعتبر مصدر رزقهم الأساسي و التي قضت سلطات الاحتلال عليها تدريجيا عن طريق التجريف وقطع أشجار العنب والزيتون والليمون بل إن الأمر يصل إلي أكثر من ذلك مثلما حدث مع "عائلة صلاح" التي تعيش بقرية بيت حانون الواقعة علي الحدود مع إسرائيل  حيث ضرب جيش الاحتلال عدة قذائف علي بيوتهم وهم داخلها  وكذلك حظائر الحيوانات التي تساعدهم في الحياة مما أدي إلي القضاء عليها ثم هجمت الدبابات علي أراضيهم لتجريفها و انتهي بهم الحال إلي  وفاة الأب نتيجة الصدمة واعتقال الأبناء والأحفاد وأصرت الأم /الجدة علي البقاء وحيدة بالمنزل في انتظار المجهول  .

أيضا من أقوي قصص المقاومة التي يقدمها فيلم صمود ملامح الحياة التي تنقلها لنا الكاميرا من قرية غوين وهي آخر المجتمعات الفلسطينية في أقصي جنوب الضفة الغربية والتي يعيش أهلها علي مدار أجيال في كهوف بدائية بعد أن دمرت إسرائيل القرية بكاملها عام 1948 ويقول أهلها أنهم تعرضوا في الماضي لهجمات قضت علي كل سبل الحياة في القرية مما اضطر كثير من العائلات إلي الرحيل بينما أصرت عائلات أخري علي البقاء واحتمال حياة الكهوف تمسكا بأراضيهم وتحديا لقوة الاحتلال الغاشمة مؤكدين أنهم لن ييأسوا أبدا وبالطبع لا يوجد ليهم ما يسد متطلبات الحياة الأساسية خاصة الماء حيث يعتمدون علي مياه الأمطار لأن الجيش الإسرائيلي يحظر عليهم حفر الآبار بحجة أنها منطقة أمنية  في حين تتمتع المستوطنات الإسرائيلية الواقعة علي بعد أمتار منهم بكل الامتيازات والخدمات التي تسهل حياتهم .

وضمن اللقطات القديمة (الفلاش باك) شديدة الأهمية التي يضمها الفيلم نري هجوما من مستوطنين يهود علي سيدة فلسطينية وزوجها أثناء عملهم بالحقل حيث انهالوا عليهم بالضرب وأصابوا السيدة بإصابات بالغة خاصة في وجهها وذلك دون أدني سبب وتعلق هذه السيدة ضمن ما قصته عن الحادث قائلة:"أين هو السلام الذي يتحدثون عنه إنهم يفعلون ذلك رغبة في تهديد أمن الفلاحين الفلسطينيين وإجبارهم علي ترك أراضيهم ..لكني لن أترك أرضي التي ولدت فيها وسأموت فيها .." ويؤكد مخرج فيلم "صمود" أن ما يعكسه الفيلم هو الحقيقة الإنسانية التي لا يعرفها العالم " فالفلسطينيون البسطاء أبطال المقاومة السلمية تماما مثل غاندي " ويضيف فيليب " أن تركيز الإعلام علي المشاهد الدموية والعنف هو الذي يكرس لدي الناس فكرة الفلسطيني الإرهابي التي هي في الواقع غير صحيحة وهذه ما شاهدته بنفسي أثناء تواجدي بالأراضي المحتلة " يذكر أن تكلفة إنتاج الفيلم بلغت عشرة آلاف دولار تحملها المخرج بمساعدة بعض الأقارب والأصدقاء وقد تم عرضه بالقاهرة في عدة أماكن ولقاءات تتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة في ظل العدوان الأخير علي غزة كما صرح فيليب رزق بأنه يسعي لعرضه في مهرجانات سينمائية عالمية كي تتاح الفرصة للتعريف بالقضية تصحيح المفاهيم السلبية  السائدة عن  المقاومة الفلسطينية. 

  
  

No comments: