بمناسبة مرور 30 عاما على وفاته
شعر وذكريات في ليلة راشد الخضر
حنان شافعي-الشارقة
في خضم أمواج الحداثة التي تتدفق على المجتمع الإماراتي من كل إتجاه، ومع تغير الأفكار وإندفاع الأجيال الجديدة نحومفاهيم مختلفة تصحبها أدوات التكنولوجيا وتعززها ثروة النفط التي تختزل الكثير من مراحل الحياة، يأتي من بعيد صوت أحد أبناء الإمارات المبدعين الذين عاشوا حياة بسيطة لكنها مفعمة بالتجربة الإنسانية العميقة وممتدة آثارها حتى يومنا هذا ، أنه الشاعر الكبير راشد الخضر الذي احتفلت دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ومركز الشعر الشعبي ،مساء الأربعاء الماضي، بذكرى وفاته الثلاثين حيث عاش ابن إمارة عجمان في الفترة من عام 1905 وحتى عام 1980 ، مخلفا وراءه منجزا ضخما وقديرا من الشعر الشعبي الذي تنوعت موضوعاته بين الغزل والمدح وبعض الهجاء.
جاءت الإحتفالية على قدر عال من حسن التنظيم وكذلك جودة الموضوعات التي تدور في فلك التجربة الإبداعية للخضر بحيث تمكنت من إلقاء الضوء على مختلف الجوانب الفنية والإنسانية والتاريخية لحياة الرجل المليئة بالأحداث في وقت قياسي، وبطريقة ممتعة كفلها اختيار الباحثيين ذووي الصلة ،وأيضا مهارتهم في الاحتفاظ بتركيز حضور الحفل منذ بدايته وحتى لحظاته الأخيرة. استعرض الحفل سيرة الراحل وقصائده أولا عبر فيلم وثلئقي بسيط تطرق سريعا إلى مراحل حياته وبعض المخطوتات التي كتبها بخط يده فضلا عن قائد ألقاها بنفسه في مناسبات معينة بدت فيها روحه الندية رغم عدم نقاء الصوت.
الشاعر العاشق
هذا ما يمكن قوله عن راشد الخضر الذي عشق امرأة واحدة وأجبر على الابتعاد عنها بسبب الفروق الطبقية إذ اختار لها أهلها زوجا أغنى وأكثر استقرار، فظل الخضر يكتب شعرا في هذه المرأة حتى عرف بشاعر الغزل إلا أن الحب الأول لم يفارق روحه مثلما لم تستطع أية إمرأة أخرى أن تستحوذ على قلبه. يقول مدير مركز الشعر الشعبي الشاعر، راشد شرار "تفوق الخضر في شعر الغزل حتى أصبحت له مدرسة خاصة ذات ملامح ومفردات مميزة إكتسبتها من واقع البيئة الأماراتية حيث كان العشق مكونا أساسيا في شخصية الشاعر وأحد أهم المؤثرات على حياته بصفة عامة" مشيرا إلى تورط راشد الخضر في حالة الغزل بقلبه وعقله وكل حواسه وباتالي خرجت قصائده مليئة بالصور المعبرة والمعاني التي لم تخل من الوصف والمناجاة وحوار الذات والحديث عن الحاسدين والناقمين على هذا الحب.
أما الباحث الشعبي، على المطروشي فخرج عن الحديث بصورة أكاديمية عن سيرة الشاعر وأخذ يحكي بحميمية واضحة عن حياة الرجل ومغامراته في السفر والترحال، وكذلك ما تمكن من جمعه حول مواقفه مع الناس وتندراته على حاله وأحوال الدنيا التي لم تستقر به في مكان واحد إذ إنتقل في بداية حياته إلى البحرين إثر صدام أثاره ضده بعض المتزمتين بسبب إحدى قصائده متهمين إياه بالتطاول على الدين وبالفعل انتقل إلى البحرين حيث عاش لفترة طويلة وامتهن حياكة الملابس الرجالية إلى أن نال الرضى وعاد إلى بلده مرة أخرى. ويؤكد المطروشي أن راشد الخضر كان يتسم بحساسية مفرطة تجاه الناس نظرا لضآلة حجمه ولظروفه الإجتماعية حيث عاش يتميما منذ سن مبكرة ، كما أخذ الموت عائلته واحدا تلو الآخر.
جماليات
من جانبها قدمت الباحثة عائشة الزعابي دراسة أكاديمية مستفيضة تناولت فيها شعرية راشد الخضر على المستويات اللغوية والإيحائية والبلاغية ، فضلا عن بناء القصيدة عند الخضر وإنقسامها إلى بداية ومنتصف ونهاية أشبه بالبناء الدرامي الذي كان يحيكه الشاعر مثلما كان يحيك ملابس زبائنه. ما قدمته الزعابي أضاف إليه الشاعر محمد البريكي مزيدا من الرؤية الأكاديمية لشعر راشد الخضر من خلال ورقته المعنونة ب"شذرات في شعر الخضر" حيث وصف دراسته بأنها بحث ميكروسكوبي لجماليات شعرية الخضر التي تعكس بكل الأحوال حالة ناضجة ورائدة من حالات الإبداع الشعبي في منطقة الخليج بصفة عامة وتحديدا في دولة الإمارات.
ولعل ختام ليلة راشد الخضر كان مع شخص هو الأقرب إليه من بين الحاضرين وهو الراوي الشعبي ،سيف بن سليمان الذي عاصر الخضر وجالسه عبر مواقف مختلفة من حياته. ورغم لهجته الصعبة والموغلة في القدم ،نجح سليمان في جذب اهتمام الحاضرين بما رواه من طرائف عن الخضر وكيفية تعامله مع الناس التي تأتي لتراه بناءا على سمعته الشعرية فتصاب بصدمة وتخرج ردود أفعالها قاسية حينما تفاجأ بمعيشته المتواضعة وجسده النحيل. إنها الذكريات إذن، طازجة كما تذكرها سيف سليمان وهو يضحك على صاحبه الذي كان يكتب قصائد جميلة في حكام وشيوخ الإمارات ويعطيها إلى رسول ليوصلها إليهم لعله يفوز بمكافأة يقتات بها، فيعود الرسول مستنكرا ويبلغه بأنه لم يتمكن من إيصال القصيدة بينما يذهب بالمكافأة دون رجعة.
No comments:
Post a Comment