Friday, June 3, 2011

ذات متمردة تجابه العالم

                عمر شهريار

     في ديوانها الأخير والصادر مؤخرا عن دار شرقيات تضع الشاعرة حنان شافعي عنوانا دالا : " على طريقة بروتس " والذي يحيل إلى شفرة ثقافية مستوحاة من نص " يوليوس قيصر" لوليم شكسبير والذي تجاوز فيه " بروتس " كونه شخصية داخل نص مسرحيإلى الانتشار في الفضاء الثقافي العام، بحيث أصبح يكتسب وجوده المستقل بمعزل عن النص الأصلي، وأصبح يمثل شفرة ثقافية خاصة ، فمجرد ذكر بروتس والجملة الشهيرة " حتى أنت يا بروتس" أصبح يشبه الكلمات المأثورةالتي تمتلك دلالاتها الخاصة، ومن ثم فإن وجود العنوان بهذه الصيغةلا يتماس فقط مع النص الشكسبيري بقدر ما ينفتح على دلالات ثقافية كبيرة أ صبحت تحمله الشخصية.

     العنوان، إذن، وكعتبة أولى للنص، ينفتح على ذلك الموروث الثقافي المرتبط بالخيانة، فالذات الشاعرة منذ البدء تعلن عن االمسار الذي تنتهجه؛ وهو الخيانة ، ولكنهاخيانة جملة من الممارسات والتصورات الذكورية التي تموضع المرأة في نطاق ضيق بعينه، ومن ثم فإن الذات الشاعرة الأنثوية داخل النص تبدو طوال الوقت كمتمردة وخائنة لهذه التصورات الذكورية السائدة ، ولكل المفاهيم الراكدة، وذلك عبر لغة شعرية لا تنغلق على نفسها ، ولعل هذا النزوع نحو التمرد واخيانة يتأكد مع الإهداء، كعتبة ثانية، تقول : "إلي../ وحدي / أتمرد / وأجرب / وأيضا أدفع الثمن " فالذات من خلال هذا الإهداء تعيد التأكيد على ما صدرته لنا في العنوان من رغبة في التجريب والتمرد على الموروث الثقافي وخيانة ثوابته . وربما يكون الغلاف، أيضا، كعتبة تؤطر الدلالة الكلية للديوان تؤكد ما ذهبنا إليه ، حيث نجد على يمين الغلاف صورة لتمثال رجل روماني يتميز بقوة جسدية واضحة  مشمرا عن ساعديه ، في حين أن يسار الغلاف به مجموعة الكلمات ال‘نجليزية المكتوبة بخطوط متباينة وتحتل معظم الغلاف، وتبدو كما لو كانت تزيح ذلك الذكر إلى الخارج .فالكتابة _ ويجب أن نتأمل مفهوم الكتابة والوعي الكتابي الذي يرفض الصيغ الجاهزة وانتقال المعرفة من الكبير للصغير عبر الوراثة الثقافية_ اليسارية تزيح الذكورة اليمينية .

Thursday, June 2, 2011

دراما قاتمة للثنائي الإماراتي إسماعيل عبد الله وحسن رجب

"السلوقي" لعبة مسرحية للخوض في المسكوت عنه

أبوظبي- حنان شافعي


عندما يتحلى الإبداع بالجرأة يتمكن الفن من لعب دوره الحقيقي في تحقيق المتعة وطرح أسئلة عميقة ، وعندما يتعلق هذا الفن بالمسرح يصبح الرهان أقرب إلى المكسب خصوصا إذا أمسك بطرفي التجربة كاتب مثقف مثل الإماراتي، إسماعيل عبد الله، ومخرج مبدع ومسؤل مثل الفنان الإماراتي ،حسن رجب، هذا الثنائي الذي تجمعه رحلة مسرحية طويلة انسجم فيها الإبداع مع الحس النقدي الفلسفي إضافة إلى جرأة الطرح التي كثيرا ما تثير حولهما جدلا واسعا.

 في عملهما الأخير "السلوقي" يمارس إسماعيل عبد الله لعبته الأثيرة في العودة إلى الماضي والإغراق في المحلية المتمثلة في العادات والتقاليد الإماراتية، وطريقة الملبس والمأكل ووسائل كسب الرزق في الماضي، الذي لم يكن يعرف رخاء النفط ولا أوجه الحداثة، وفي مقدمتها الصيد، ومجتمع الصيادين الملئ بالدراما والصراعات حول السيطرة على مناطق الصيد وتقسيم الصيادين إلى فئات طبقية غالبا ما يتحكم فيها تجار بعينهم أو شخصيات ذات حظوة إجتماعية وبالتالي اقتصادية مثل "النوخذة"، وهي كلمة تعني أساسا قائد السفينة والمتحكم فيها لكنها تتعد المفهوم المهني للكلمة إلى السياق الإجتماعي الطبقي،  ثم علاقة هذا المجتمع بالاحتلال البريطاني وكيف أثر كلاهما على الآخر. كل ذلك يمثل غالبا المادة الخام التي يستلهم منها عبد الله عوالمه المسرحية ويشكل الكثير من الأفكار والقضايا التي تتماس مع الحاضر ، باعتباره في كثير من الأحايين امتداد لها، لكنها تبدو على السطح قادمة من زمن مضى وشخوص لم يعد لهم وجود في المجتمع الجديد، بل ربما لم يعد لهم وجود على الإطلاق إلا في ذاكرة العجائز الذين لا يزالون مسكونين بروح تلك السنوات ولا يخفون دهشتهم بما طرأ على مجتمعهم من تغير، ولا إخفاقهم في التعاطي معه بعكس الأجيال الجديدة. 

المصورة الإماراتية ميثاء بنت خالد

بين حداثة الصورة وعشق الأبيض والأسود

أبوظبي _حنان شافعي

ببساطة واضحة تتحدث المصورة الإماراتية ميثاء بنت خالد عن علاقتها بالكاميرا والصورة والألوان لكنك سرعان ما تكتشف سر تلك البساطة وعمقها بمجرد أن تبدأ جولتك في معرضها، وتجد نفسك منجذبا ومستسلما تارة إلى صراحة الأبيض والأسود المسيطران على معظم أعمالها، وتارة أخرى إلى موضوعات الصور في حد ذاتها التي تتورط بقوة في البيئة الإماراتية الأصلية من حيث التفاصيل والهدوء والأجواء التراثية ثم قبل وبعد كل شئ "الصقور" تلك الطيور التي تربطها بالإماراتيين علاقة خاصة. تقول ميثاء، التي التحقت بمعهد نيويورك للتصوير الفوتوغرافي إضافة إلى كونها طالبة بكلية الآداب جامعة زايد، أن علاقتها بالتصوير بدأت في مرحلة مبكرة من عمرها وبصورة فضولية إلا أن ممارستها لفعل التصوير على المستوى العملي بدأ منذ عام 2003  حيث انضمت إلى جمعية الإمارات للتصوير الضوئي وفيها تلقت تدريبات على أسس التصوير من خلال ورش العمل والدورات التي تعقدها الجمعية بانتظام وتسهم بصورة كبيرة في تعزيز موهبة الكثير من المصورين الإماراتيين.

ويعد التصوير الفوتوغرافي من أبرز الأنشطة الفنية على الساحة الثقافية وحتى الإجتماعية الإماراتية حيث يجد الكثير من الشباب والشابات الإماراتيات في ممارسة فن التصوير فرصة لاثبات أنفسهم ومن ثم الإنطلاق في اكتشاف الحياة من حولهم خصوصا في ظل توفر الإمكانات المادية والتقنية، حيث يقتني معظمهم كاميرات على أعلى مستوى من الإحترافية، وكذلك توفر الدعم المعنوي المتمثل في التشجيع العام لممارسة التصوير سواء من خلال المسابقات الكبرى التي تعقد في كل إمارة من الإمارات السبع تقريبا بصورة سنوية، أو إقامة المعارض المجهزة والدعاية لها وبالتالي للمصور الذي يملؤه الحماس لتطوير نفسه وامتلاك أدواته حين ينال كل هذا التشجيع والشهرة فضلا عن حبه للفن ذاته.

ولعل ميثاء بنت خالد نموذجا قويا لنجاح الموهبة عندما يتم تطويرها والعمل عليها من ناحية ومن ناحية أخرى عندما تتمتع بخصوصية تميزها عن غيرها. أما خصوصية الصورة التي تلتقطها ميثاء فتكمن في عنصرين أساسيين : أولهما المكان ويمثل الفضاء الجغرافي الذي تختاره المصورة ليكون خلفية لموضوع صورها وعند ميثاء ليس بعد الصحراء مكان، والصحراء في الإمارات ليست خالية تماما بل تحتفظ بنوعيات مختلفة من الأشجار والتضاريس وبالطبع الحيوانات والطيور التي تشكل كلها موضوعات جاذبة لعدسة الكاميرا وصاحبتها التي تعتز كثيرا بالبيئة الإماراتية وتراثها القديم. تقول "البيئة الإماراتية البسيطة والقديمة هي عشقي الأول وهي المكان الذي أريد تعريف العالم به عن طريق الكاميرا والصورة طمعا في نشر ثقافة الصورة من ناحية وإبراز جماليات التراث الإماراتي من ناحية أخرى" لافتة إلى عدم انبهارها كثيرا بمظاهر الحداثة التي طرأت على المجتمع الإماراتي سواء في الطراز المعماري أو أسلوب الحياة الاستهلاكي والسريع البعيد عن البيئة الطبيعية.

وبالحديث عن البيئة الطبيعية يلاحظ تركيز بنت خالد على مفردات أو موضوعات معينة لتصويرها في أكثر من مكان وبزوايا مختلفة مثل "الجمال" و "الصقور" و "أشجار الصحراء" و "الخيل" و "الحياة البرية" و "الصيد" كلها من الأشياء الأثيرة لدى الإماراتيين على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية. وتستحوذ الصقور على نصيب الأسد في أعمال ميثاء بنت خالد حتى أنها فازت بالمركز الأول في مسابقة التصوير محور الصيد ، معرض الصيد والفروسية 2008 و المركز الثاني في مسابقة الغربية ،محور الحياة البرية 2009 . وعن اهتمامها بالصقور كموضوع للتصوير الفوتوغرافي تقول ميثاء بنت خالد " الصقر يرمز إلى عدة أشياء خاصة لنا في دولة الإمارات وفي دول الخليج بصفة عامة ، فهو رمز للشموخ والطموح والقوة ، كما ان له مكانة خاصة عندنا لأنه الشعار الذي يزين علم بلادي ، والصقر يعتبر من تراثنا الذي تعودنا وتربينا عليه ، فأنا منذ الصغر تعودت على الصقور والتعامل معهما، حتى اصبحت تربطني علاقة قوية، وتأقلم عجيب" مؤكدة أنها تملك قدرة على ترويض الصقر أمام الكاميرا لكي تلتقط له صورا مختلفة، كما أنها بصفة عامة وكما يظهر في الصور، تجيد التقاط صور للحيوانات في لحظات مثيرة وشديدة الدقة أثناء الحركة مثلا أو القفز.

العنصر الثاني في الخصوصية التي تتمع بها تجربة ميثاء في التصوير يتعلق باللون، ومع التطوير التكنولوجي السريع الذي يشهده عالم التصوير والكاميرات وشيوع تقنية التصوير الرقمي أو "الديجيتال" أصبح هناك الكثير من الاستستهال أحيانا وأحيانا أخرى استخدام تلك الإمكانات في صنع إبهار شديد في الصورة من خلال الألوان وبرامج الفوتوشوب التي ربما يصعب معها التفريق بين الطبيعي والمصطنع. أما صور ميثاء بنت خالد فتكاد تخلو من كل ذلك بل تزهد في معظم الألوان ليبقى الضدين العملاقين في حضور طاغ، إنه الأبيض والأسود الذين تنسج منهما ميثاء صورا بديعة تنم عن تلقائية وعفوية الصورة والموهبة التي تقف وراءها في لمحة واحدة. وهي لا ترى في ذلك انتقاصا من جماليات أعمالها بل تصر بنت خالد على قصديتها وعلى أنها لا تحب التدخل في الصورة كثيرا سواء في تصحيح الألوان أو إضافات أي من عناصر الإبهار الأخرى معللة ذلك "بأنه يفقد الصورة تلقائيتها وأثرها الحقيقي الذي من المفترض أن يصل إلى المتلقي، كما أن الأبيض والأسود هما لوني الوضوح وصدق المشاعر" هذا الصدق، تحمله بلاشك كل موهبة حقيقية ومن ثم نتاج هذه الموهبة أيضا، تماما كما تفعل الصور التي تلتقطها الإماراتية ميثاء بنت خالد والتي تصنع وهي معلقة على حوائط المعارض حالة من الراحة والهدوء الخالص.